10/03/2021
صاغ العاملون في الصفوف الأولى في الإمارات بطولات حقيقية، بنيت على الإخلاص والوفاء والتفاني، وتداخلت فيها المشقة العامة مع الخاصة، ففي الـ24 من شهر أبريل الماضي، كان مُشرّف حسين شاهد، البالغ من العمر 38 عاماً، والعامل في بلدية دبي، يشارك بهمة في برنامج التعقيم الوطني، ويجوب شوارع الإمارة وهو صائم متصدياً للجائحة في مناوبة عمل وصلت مدتها إلى 16 ساعة، وفي الوقت ذاته، وعلى بعد آلاف الأميال كانت آلام المخاض تداهم زوجته التي أنجبت ابنته الثانية، فيما يحارب الأب لحماية أهل الإمارات.
وكرم مكتب فخر الوطن مُشرّف حسين شاهد العامل في بلدية دبي لعمله الدؤوب المتفاني في برنامج التعقيم الوطني خلال ذروة الجائحة حتى إنه لم يتمكن من الذهاب لبلدته في بنغلاديش ليكون إلى جوار زوجته أثناء مولد ابنته.
ولم يمنع العمل المكثف مشرف من الدعاء لزوجته طوال يوم الولادة، لكنه لم يستطع التحدث معها حتى عاد إلى مسكنه في وقت لاحق من تلك الليلة، حيث يقول مشرف «كنت أعلم مسبقاً بأنني لن أتمكن من حضور ميلاد ابنتي في قريتنا «كوميلا» جنوبي بنغلاديش، لكني كنت أدرك أن مَهمة التعقيم مهمة وأن دوري فيها أساسي».
يقول مشرف: «سعدت كثيراً بالحديث مع زوجتي بعد الوضع فقد كانت هي والمولودة بصحة جيدة، وذهبت للنوم في تلك الليلة تعلو وجهي ابتسامة الرضا وأنا أعلم بأن لدي مولودة جديدة في موطني وأنني بصدد محاربة الجائحة في دبي في الوقت ذاته. يا له من شرف».
ويعد مشرف واحداً من خط الدفاع الأول في الدولة الذي يضم مئات المتطوعين والمتخصصين العاملين في الخطوط الأمامية والذين تم تقديرهم ودعمهم من قبل مكتب فخر الوطن نظير التضحيات الشخصية الكبيرة التي قدموها والمسؤولية الكبرى التي تحملوها في معركة الإمارات ضد الجائحة.
وعن بداية عمله في التعقيم يقول مشرف: «أصبحت جزءاً من فريق التنظيف ابتداء من شهر مارس، حيث طُلب مني الانضمام للفريق الذي يعمل على حماية دبي من انتشار وباء كوفيد-19. كان العمل طويلاً ومرهقاً، ولكنني كنت فخوراً بكوني جزءاً من خط الدفاع الأول ضمن الفريق المختص بتنظيف المدينة وتعقيمها. كانت دبي بحاجة إليّ وكنت مصمماً على تأدية واجبي».
الاستعداد للمواجهة
قبل تفشي فيروس كورونا؛ عمل مشرف في قسم مكافحة الآفات في حالات الطوارئ ببلدية دبي، حيث انضم للعمل في البلدية منذ عام 2006. وكان جزءاً من فريق الاستجابة للبلاغات بشأن وجود آفات الصحة العامة التي قد تهدد أمن سكان دبي. وعندما تفشى الفيروس، أصبح جزءاً من برنامج التعقيم الوطني.
والتحق مشرف بورشة تدريبية، استعداداً لانضمامه لفرق التعقيم، تعلم خلالها التدابير الوقائية التي تسهم في الحد من انتشار فيروس كوفيد-19، وكيفية حماية نفسه أثناء وجوده في العمل وأثناء الإقامة في المساكن المخصصة، كما تدرب على كيفية مزج مواد التعقيم الكيميائية مع الماء بنسبٍ معينة وكيفية استخدام معدات الرش.
مهمة شاقة
كانت كل مناوبة عمل لمشرف تبدأ بارتداء الحماية الشخصية ومنها الكمامة والقفازات وواقي الوجه والبدلة الكاملة، ثم ينطلق، هو وزملاؤه، لتمشيط كافة الشوارع والأبنية والمرافق أثناء مكوث المواطنين والمقيمين في بيوتهم خلال ساعات الحظر.
واضطرت فرق التعقيم أحياناً للتنقّل عبر المركبات أو الدَّراجات المعدّلة لتتمكن من رش المواد الكيميائية المعقِمة في الطرق الضيقة، وفي بعض الأوقات، كانوا يستخدمون طائرات الدرونز.
حول هذه الفترة يقول مشرف: «كانت مهمة صعبة، ولكني ظللت أذكّر نفسي بأهمية هذا العمل وبأنني مدينٌ لهذه الدولة لما قدمته لي من فرص وهذا ما دفعني إلى الاستمرار يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة. لم أكن أخشى الإصابة بالفيروس رغم طبيعة عملي وإقامتي في مساكن العمال؛ فقد كنّا مدَّربين على كيفية حماية أنفسنا. إلا أن أفراد عائلتي كانوا قلقين عليّ، وكنت أكلمهم يومياً محاولاً طمأنتهم. كما كنت أخضع لفحص كورونا PCR بشكل دوري. والحمد لله لم أصب بالفيروس خلال عملي ضمن برنامج التعقيم لكن أحد زملائي تعرض للإصابة».
الوفاء للإمارات
تزامنت أكثر فترات التعقيم كثافة - خلال ذروة الموجة الأولى للفيروس في شهرَي أبريل ومايو الماضيين - مع شهر رمضان الكريم.
ويقول مشرف «بالإضافة إلى الساعات الطويلة في ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في دبي، كنت صائماً أيضاً، وعندما كان يحل غروب الشمس، كنا نجلس معاً ونفطر بوجبة بسيطة، ثم نواصل عملنا في تنظيف الشوارع. كنت مصمماً على إنهاء العمل بأفضل ما لدي من قدرات. أنا مدين لهذا البلد بالكثير. لقد جئت من عائلة كبيرة وهناك الكثير من الناس الذين يحتاجون إلى دعمي. بالعودة إلى بنغلاديش، لدي 7 أشقاء وشقيقتان».
بينما يعترف مشرف بافتقاده لأهله وأحبائه في وطنه وأنه يتوق لرؤية ابنته المولودة حديثاً لأول مرة، يؤكد أنه مصمم على الوفاء بمسؤولياته تجاه الإمارات وبناء مستقبل أسرته، فيقول: «إن العالم بأسره بصدد مواجهة فيروس كوفيد-19، لذا ينبغي علينا مواصلة القتال حتى النهاية. أحلم باليوم الذي أتمكن فيه من ضم مولودتي الصغيرة بين ذراعي، ولكن حتى يأتي ذلك اليوم، سأبذل كل ما بوسعي للمساهمة في مكافحة هذه الجائحة».ط
المصدر: الرؤية