24\01\2022


يقال إن الأزمات تكشف معادن البشر وعمق إنسانيتهم ومدى تشبع نفوسهم بالخير والعطاء، وهذا ما أظهره بطل حكايتنا خلال جائحة «كوفيد 19» التي اجتاحت العالم وكشفت بانتشارها نبل وكرم البعض ممن جعلوا كفة الخير والعطاء في حياتهم توازي كفة الواجب تجاه العائلة.

ولد عبيد غانم بن شيبان المهيري قبل نحو 9 عقود، كان والده نوخذة يعمل في صيد اللؤلؤ، وكان بن شيبان يرافق والده في رحلات الصيد منذ نعومة أظفاره وتعلم تحمل المسؤولية منذ الصغر، لكن مع تراجع تجارة اللؤلؤ الطبيعي اضطر بن شيبان وهو صبي يافع إلى السفر إلى الكويت بحثاً عن العمل لإعالة والدته.

عمل بن شيبان أعمالاً حرة في الكويت، وبعد فترة من الزمن عاد إلى دبي وعمل في ميناء جبل علي، ثم انتقل للعمل في شركة الكهرباء والماء في دبي وأصبح يوفر جزءاً من راتبه ويشتري بعض العقارات الصغيرة ويتاجر بها، وتوالت السنوات إلى أن تحسن الوضع المادي لـ «بن شيبان» واشترى عقارات أكبر.

كان بن شيبان محباً للخير دائم العطاء في مختلف الظروف، لكن الأزمات التي صاحبت جائحة كورونا كشفت مدى حبه ووفائه لأهله ووطنه، ولعلم الناس بنبله وكرم أخلاقه لجأوا إليه في ظروفهم الصعبة طلباً للمساعدة، ولم يكن بابه يغلق في وجه أحد، فقد كان يسعى للمساعدة بكل إمكاناته سواء المادية أو من خلال علاقاته ومعارفه للمساعدة في إيجاد العمل لمن فقدوا عملهم نتيجة ظروف الجائحة.

وفي بداية عام 2021 قرر بن شيبان أن يصنع خيراً مستمراً يبقى حتى بعد وفاته، فأوقف لدى مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر بدبي عقاراً في منطقة هور العنز بدبي، عبارة عن مبنى سكني وقف خيري وذري يعود ريعه على عموم الخير وحفيديه إلى أن يعملا ويكونا قادرين على العمل وإدارة شؤونهما، وبعد ذلك تنتقل نسبتهما إلى وقف خيري يعود ريعه على عموم الخير.

على الرغم من تعبه ومرضه أصر بن شيبان على متابعة إجراءات تسجيل الوقف بنفسه، فوفرت له مؤسسة الأوقاف وشؤون القصر إمكانية التسجيل المرئي للوقف من منزله، وبالفعل تمكن بن شيبان بمساعدة المؤسسة وبالتعاون مع إدارة إسعاد المتعاملين في محاكم دبي، من تنفيذ الربط المرئي بين بن شيبان المهيري من منزله والقاضي الموجود في مبنى المحكمة، حيث عبّر المهيري للقاضي عبر البث المرئي الحي، وخلافاً لما هو متعارف عليه من حضور الواقف شخصياً أمام القاضي لإنفاذ وقفه، عن رغبته بوقف قطعة أرض وما عليها من بناء على عموم أوجه الخير.

وبعد مرور أشهر على تسجيل وقفه رحل بن شيبان تاركاً وراءه خيراً مستمراً وعطاء لا ينضب. تقول ابنته إن والدها لم يغلق بابه في وجه محتاج قريب أو بعيد، وكان يشعر دائماً بالمسؤولية تجاههم ويسعى لقضاء حوائجهم بقدر استطاعته، وتؤكد أنه أحب الخير للناس بقدر حبه للخير لأهله وربما أكثر، فقد آثر أن يترك للمحتاجين من ماله بقدر ما ترك لعائلته.




المصدر: البيان