26/4/2020
أكد عالما الدين الشيخ أحمد محمد الشحي، عضو مجلس الإفتاء الشرعي في الدولة، وفضيلة الدكتور محمود عبدالرحمن دقاق - المفتي في المركز الرسمي للإفتاء بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أنَّ العبادات والطاعات والقربات، من إطعام الطعام وإفطار الصائمين والتصدق في وجوه الخير والتطوع لخدمة المجتمع، قد تكون بديلاً نافعاً لبعض مظاهر رمضان التي سنفتقدها بفعل الإجراءات الوقائية في الدولة في مواجهة فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19»
وقال فضيلة الشيخ أحمد محمد الشحي، عضو مجلس الإفتاء الشرعي في الدولة: «يأتي رمضان هذا العام وسط ظروف استثنائية، بسبب فيروس كورونا المستجد الذي اجتاح العالم، وألجأ الدول إلى اتخاذ تدابير وقائية لحماية الناس، ومنها بقاؤهم في بيوتهم، وابتعادهم عن التجمعات، منعاً لانتشار الوباء»، مؤكداً أهمية التزام المسلم بإجراءات الوقاية من هذا المرض، اتباعاً للنصوص الشرعية التي جعلت المحافظة على النفس ضرورة كبرى، وطاعةً لولي الأمر المنوط به رعاية مصالح العباد والبلاد، ومنها صيانة الأرواح والأنفس والتصدي لمهدداتها، ومن أخطرها الأوبئة، والمسلم يغتنم شهر رمضان ليتقرب إلى الله تعالى بالمساهمة في حفظ هذه الضرورة الشرعية والوطنية، ويحتسب الأجر في ذلك، فإن حفظ الأرواح فريضة دينية يؤجر عليها المسلم أجراً عظيماً، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة: 32).
أجر لا ينقطع
وأضاف: «هنا، قد يتوهم البعض نتيجة الظروف الحالية، بأنه ستفوته بعض الأجور والحسنات، وأنه سيخسر بعض العبادات التي كان يؤديها في الرمضانات السابقة والتي لا يستطيعها الآن، وهذا فهم قاصر ونظرة ضيقة لتعاليم الدين الحنيف، فقد دلت النصوص الشرعية على أن كل من كان يؤدي عبادة وحبسه عنها عذر، فإن أجره مستمر لا ينقطع، وفضل الله واسع لا حد له، قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (التين: 6) أي: غير منقطع، قال المهلب بن أبي صفرة: «أي أنَّ لهم أجرهم في حال الكبر والضعف عما كانوا يفعلونه في الصحة، غير منقطع عنهم، فلذلك كل مرض وآفة من سفر وغيره يمنع من العمل الصالح المعتاد؛ فإن الله قد تفضَّل بإجراء أجره على من مُنع ذلك العمل»، وقال عز وجل، أيضاً، مؤكداً هذا المعنى: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } (النساء: 95)، قال العلماء: «فيه دليل على أن من حبسه العذر عن عمل من أعمال البر فله أجر العامل؛ لأن الله تعالى استثنى من المفاضلة أولي الضرر».
كما استدل فضيلته بما جاءت به الأحاديث الكثيرة في تقرير هذا المعنى، منها حديث: «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً»، وحديث: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كَتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من تبوك: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر)، ففي هذه الأحاديث أن الإنسان يبلغ بنيته أجر العامل إذا كان لا يستطيع العمل لعذر منعه، فما أعظم فضل الله تعالى، وما أيسر تعاليم الإسلام التي راعت مختلف الظروف والأحوال».
وشهر رمضان، بحمد الله، شهر حافل بعبادات كثيرة متنوعة، يستطيع الإنسان أداءها بمفرده أو مع أهله، سواء الفرائض، كالصلوات الخمس والصيام الذي هو جوهر هذا الشهر، أو التطوعات الكثيرة، مثل قيام الليل، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، والدعاء، بل يشمل ذلك حتى التفكر، كما قال سبحانه: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (آل عمران: 191).
العبادات القلبية
وأضاف: «لا ننسى في هذا الشهر المبارك العبادات القلبية» التي هي أصل الطاعات، ومن أهمها التوكل على الله تعالى، وحسن الظن به، وما يثمر ذلك من الإيجابية والأمل والتفاؤل بالانفراج القريب، مستحضرين قول الله عز وجل: {فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً. إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً} (الشرح:5، 6).
ونسأل الله تعالى أن يعجل بالفرج، ويرفع البلاء عن عباده في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفقنا جميعاً لحسن استثمار شهر رمضان فيما يحب ويرضى.
الصدقة
قال فضيلة الشيخ أحمد محمد الشحي: إن من العبادات العظيمة في هذا الشهر المبارك الإكثار من الصدقة والإحسان للآخرين، خاصة في مثل هذه الأوقات، ومفهوم الصدقة مفهوم واسع، يشمل الصدقات المالية والعينية، فكل شيء تقدمه لشخص محتاج هي صدقة تؤجر عليها، سواء كان ذلك مالاً، أو أدوية، أو مستلزمات طبية، أو حواسيب محمولة يحتاجون إليها في أعمالهم وتعليمهم، أو وجبات إفطار، أو غير ذلك، وقد يسَّرت الجهات الرسمية في الدولة سبل التصدق، وفتحت أبواب التبرع أمام أهل الخير على مصاريعها، مثل صندوق الزكاة وهيئة الهلال الأحمر، بل إن مفهوم الصدقة يمتد ليشمل الكلمة الطيبة، فكل ما تنشره في مجتمعك من كلمات إيجابية تبتغي بذلك وجه الله تعالى، فإنك تؤجر عليه.
ليس بعد العسر إلا اليسر
أكد فضيلة الدكتور محمود عبدالرحمن دقاق - المفتي في المركز الرسمي للإفتاء بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف - أنَّ على المسلمين أن يحسنوا استقبال هذا الشهر الفضيل بنفس المشاعر والعواطف التي كانوا يستقبلونه بها في كل الأعوام؛ ففي كل محنة منحة، وليس بعد العسر إلا اليسر.
كما بيَّن أنَّ وضع الخطط والأفكار التي يمكن الاعتماد عليها في التقرب إلى الله تعالى خلال هذا الشهر الفضيل، ينبغي أن تكون في أولويات كل مؤمن يحسن الظنَّ بالله تعالى ويتوكل عليه؛ فديننا الحنيف حثَّنا أن نكون متفائلين وإيجابيين في تعاملنا مع كل الظروف التي تحيط بنا، مهما كان شكل التحديات التي من حولنا؛ لذلك: لا ينبغي أن يعيقنا هذا الظرف الذي اجتاح العالم عن أنَّ نبذل جهدنا ونظهر اجتهادنا، كما كنَّا في الأعوام الماضية... بل على العكس تماماً: ينبغي أن يزيد هذا الوباء من عزمنا وإصرارنا؛ فقد فتح الله لنا أبواباً جديدة من الطاعات لم تكن متاحةً لنا في السابق، وينبغي علينا أن نكون أحرص على اغتنامها مما كنَّا عليه.
وقال فضيلته: يجب على المسلمين كافة أن يحرصوا في هذه الأيام على الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن العالم أجمع؛ فكما نعلم جميعاً أنَّ رمضان هو فرصة للدعاء، وأنَّ الله سبحانه وتعالى وعد عباده الصائمين بأن يستجيب دعواتهم ويحقق آمالهم؛ فقد نبَّه الله تعالى إلى مزية للصائم في الدعاء فقال بعد آيات فريضة الصيام مباشرة مرشداً ومؤكداً: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ». سورة البقرة: 186، ورمضان – مهما كان ظرفه – هو فرصة للدعاء المستجاب وموطن للإجابة والعطاء؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الترمذي برقم (2525).
وتابع فضيلته: أنَّ على المسلم أن يستشعر في دعائه أنَّه مهما عظم البلاء فالله أعظم منه، ومهما كبر المرض واستفحل فالله أكبر منه، وأملنا بالله تعالى كبير أن يرفع في هذا الشهر الفضيل الوباء عن البشرية والإنسانية جمعاء، وأن ييسر الأسباب لاكتشاف اللقاح والعلاج.
الالتزام بالإجراءات
وأضاف: الكل يتألم من الآثار السلبية لهذا الوباء؛ فمع الفتوى التي صدرت عن مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي بوجوب الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية والوقائية التي وجهت بها الجهات المختصة في الدولة للحفاظ على حياة الناس وسلامتهم؛ والتي كان من ضمنها: تعطيل صلاة الجمعة والجماعة وإغلاق المساجد منعاً لانتشار العدوى وتضييقاً على المرض، امتثالاً لتعاليم ديننا الحنيف التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا ضرر ولا ضرار»، سنن ابن ماجه برقم: 1909؛ لا شكَّ أنَّها أثرت فينا جميعاً، خصوصاً على من اعتاد الذهاب إلى المساجد للصلاة بها وذاق حلاوة مناجاة ربه فيها؛ إلا أنَّنا مع ذلك نحن بخير؛ فأبواب الله ما زالت مفتوحة «وهو معكم أينما كنتم»؛ فإن تعذر قيام رمضان في المساجد، فلن يتعذر علينا قيامه في البيت، وفي ذلك فرصة عظيمة لأن يجتمع الأب مع أبنائه على الوقوف بين يدي الله والتضرع إليه، وهو أدعى للإخلاص، وفيه إحياء لسنة الصلاة في البيوت؛ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم»، رواه البخاري برقم: 432، وإن تعذرت علينا العمرة في رمضان فأموالها التي كنا ننفقها ينتظرها يتيم جائع أو فقير متعفف، أو مريض يبحث عن ثمن علاجه، لتكون أكثر ثواباً وأجراً من العمرة لتعدي نفعها إلى الناس، كما نصَّ على ذلك العلماء.
وأشار فضيلته إلى أنَّ غياب بعض المظاهر الإيمانية التي اعتدنا عليها في الشهر الفضيل لا ينبغي أن يصيبنا بالإحباط؛ فقد مرَّ على النَّاس من قبلنا أيام صعاب صبروا فيها على ما أصابهم، وتعاملوا مع ظرفهم بحكمة وحنكة إلى أن خرجوا من المحنة؛ ولعلنا نذكر أعظم مصاب مرَّ بالصحابة رضي الله عنهم، عندما انتقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام كل شيء في حياتهم فهو: رسول الله والقائد الموجه والأب الحاني والأخ الصادق والصديق الصدوق.. فمنهم من أنكر وفاته، ومنهم من خشي على الدين من الضياع، فألهم الله سبحانه وتعالى أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، أن يصعد المنبر ليقول كلمته الخالدة: «أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حي لا يموت»، رواه البخاري برقم: 4452، وفي لحظتها ثاب الصحابة إلى رشدهم، وعادوا إلى حياتهم، واستمروا في عطائهم إلى أن بلغ دين الرحمة شرقاً وغرباً بعزمهم واجتهادهم، وإنَّ فقدنا للأجواء الإيمانية والروحانية التي اعتدنا عليها ليس بأشدَّ من فقده عليه الصلاة والسلام، لأجل ذلك على المسلمين أن ينتبهوا من أن يتسلل الإحباط إليهم بأي صورة، وأن يكثروا من الدعاء والتسبيح والتضرع إليه سبحانه بأن يأذن برفع البلاء.
البديل النافع
تابع د. دقاق: إنَّ العبادات والطاعات والقربات من إطعام الطعام وإفطار الصائمين والتصدق في وجوه الخير والتطوع لخدمة المجتمع، قد تكون بديلاً نافعاً لبعض مظاهر رمضان التي سنفتقدها؛ فبوسائل الاتصال الحديثة يمكن أن نتبرع ونمد يد العون للمحتاجين، ومن خلال هذه الوسائل بإمكاننا أن نصل أرحامنا وأن نتواصل معهم، وبقرآن الفجر يكتب لنا الأجر ويشهد لنا عند الله بالخير، وبركعتين بعد شروق الشمس نمكث قبلها بعد الفجر لذكر الله إلى أن نصلي سنة الإشراق يكتب لنا أجر العمرة، وبعملنا وسعينا في نفع وطننا ولقمة عيش أهلنا، نكون في عبادة لله وقربه، وعند فطرنا يكون لنا دعوة لا ترد، وفي ذكر الله تعالى نرطب ألسنتنا وننعش فؤادنا، وفي رعاية كبار السن من أهلنا يكتب أجرنا وثوابنا، وفي كلمة شكر نوجهها للخط الأول في مواجهة هذا المرض، من الأطباء والمسعفين ورجال الشرطة والأمن وقواتنا المسلحة، نؤدي شكر ربنا، وفي دعوة صادقة لولي أمرنا ومسؤولينا الذين يعملون ليل نهار لسعادتنا وسلامتنا نرضي ربنا.
المصدر:إبراهيم سليم (أبوظبي)