6/5/2020
«السلوك معيار الحقيقة».. بهذه الكلمات لخص المواطن السعودي عبد الرحمن محمد المقرني رحلته وإقامته في الإمارات التي بدأت يوم 14 مارس الماضي عبر زيارة عائلية قصيرة تحولت الى زيارة طويلة لعدم تمكنه من العودة إلى المملكة بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذها البلدان الشقيقان في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد 19.
عبد الرحمن المقرني اعتبر الأمر فرصة حقيقية لاختبار مشاعره تجاه مجتمع وشعب الإمارات الذين أحبهم وأحبوه، وفرصة أخرى لتأكيد وحدة البلدين والشعبين، فقرر استثمار وقته فيما هو نافع وإنساني للإمارات وطنه الثاني، كيف لا وهو عاش ويعيش الإنسانية التي اعتمدتها الإمارات نهجا ومنهاج عمل.
بدأ عبد الرحمن البحث عما يمكن أن يفعله ليجعل من وجوده فاعلاً وذا معنى، فالتحق سريعاً بحملة "الإمارات تتطوع" عبر برنامج "تكاتف" ضمن الفرص التطوعية الميدانية التي توفرها الحملة تحت مظلة المنصة الوطنية للتطوع "متطوعين.إمارات"، التي تتيح لمختلف أفراد المجتمع الانخراط في التطوع بمجالات اجتماعية وتنموية هامة، سواء كانت التطوع ميدانياً أو افتراضياً "عن بعد".
رحلة المقرني في حب الإمارات كانت عن قرب وقد بدأت منذ زيارتها لها قبل انتشار الفيروس، وتجددت عند تقديمه طلب المشاركة كمتطوع، معتبراً أن هذا الخيار في ظل هذه الجائحة، أمر يحتمه عليه انتماؤه الوطني، فالإمارات وطنه كما هي السعودية، إنه تطوع خالص لوجه الله أولاً وأخيراً.
كانت بداية عبد الرحمن في الالتحاق بالعمل التطوعي بمستشفى دبي، حيث قام باستئجار مسكن مجاور للمستشفى، إذ يقوم ورفاقه المتطوعين بإجراء المسح الاعتيادي للقادمين إلى المستشفى من خلال الكاميرات الحرارية التي تقيس معدل حرارة الجسم، ومن تكون حرارته مرتفعة يتم تحويله إلى الفحص، فيما يتم التعاطي مع الزائرين ومعرفة وجهتهم وتوعيتهم باتخاذ الإجراءات الاحتياطية تخفيفاً على الكادر الطبي ولعدم إشغالهم في أمور ثانوية يمكن إنجازها عبرهم.
ونتيجة لاكتساب الخبرات والصداقات مع المتطوعين والكوادر العاملة انتقل المقرني إلى مستشفى البرشاء ليواصل مهمته الإنسانية بامتياز، حيث أصبح حجم العمل أكبر وساعات الدوام أطول، حيث يحرص على التواصل مع القادمين من الخارج وتوعيتهم بأهمية عدم مخالطة أحد، بالإضافة الى اتخاذ الاجراءات الوقائية الروتينية معهم.
كان انتقال الشاب القادم من الرياض إلى مجمع ورسان السكني محطة تطوعية أخرى، حيث ساهم بمعاونة المتطوعين رفاقه في إعداد وتجهيز المكان كما ينبغي، ليعود الى مستشفى دبي مرة أخرى في 16 أبريل الماضي، وهو يعمل حالياً مشرفاً على فريق عيادة البلدية في الرقة التي تقدم خدمة فحص العمالة هناك، ويستقبل مع رفاقه بشكل يومي ما لا يقل عن 300 - 350 شخصاً، ويبادر عبد الرحمن بتنظيم صفوف الحضور للطاقم الطبي منذ لحظة الوصول في الفناء الخارجي، غير آبه هو ومن معه بالحر وإرهاق وتعب الصيام، إنما حافزهم في ذلك إنسانيتهم وحبهم لفعل الخير، فيما يستغلون وقت الفراغ البسيط في الحديث معاً عن العمل وشؤون الحياة، وخلوة لتلاوة القرآن الكريم الذي يظل بالنسبة لهم، ربيع قلوبهم وزادهم في عملهم.
اللحظة الفارقة جاءت عند إعادة فتح المجال الجوي بين البلدين الشقيقين، الإمارات والسعودية، وأصبح بإمكانه العودة إلى المملكة، فكان قراره أن المملكة وشعبها وطنه وأهله، وكذلك هي الإمارات، فقرر البقاء ليقدم لوطنه الثاني خبراته التي اكتسبها خلال عمله التطوعي.
تعرض عبد الرحمن لمواقف عديدة ساهمت في صقل شخصيته، وأصبح ذا خبرة في المجالات التمريضية والإسعافية، وهو الذي يعمل في مجال العقارات البعيد تماماً عن القطاع الطبي، معتبراً التطوع من وجهة نظره بيئة خصبة لإعداد القيادات الشابة وتسليحها بالمهارات الحياتية الهامة التي تمكنهم من تقلد مواقع الإدارة والقيادة بثقة واقتدار.
من السعودية بدأت الاتصالات تنهال على عبد الرحمن المقرني، من الأهل والأصدقاء لحثه على العودة، ورغم شوقه لهم، إلا أنه يجيب دائماً أن يرى الأمر ترتيباً إلهياً، فيقرر كل مرة أن يسير فيما هو مقدر له، ويواصل في خدمة المجتمع والإنسانية، حيث يشعر بالراحة النفسية، مؤكداً أنه لن يبرح الإمارات حتى إعلان الانتصار على الفيروس بشكل كامل.
المصدر: